!إزعاج السينما- متعة مُهدرة أم ثقافة مفقودة؟

المؤلف: هيلة المشوح11.09.2025
!إزعاج السينما- متعة مُهدرة أم ثقافة مفقودة؟

انغمستُ قبل أيام في تجربة مشاهدة سينمائية فريدة، وذلك في إحدى دور العرض السينمائي الفخمة، تلك التي تجسد قمة التطور والرفاهية، وتزدان بأحدث التقنيات وأعلى معايير النظافة والراحة، إلا أن عنصراً واحداً مؤسفاً كدّر صفو هذه التجربة الممتعة. فبعد تجارب سابقة في دور العرض العادية، والتي غالباً ما كانت محبطة بسبب الإزعاج المستمر واصطحاب الأطفال إلى عروض غير ملائمة لأعمارهم – كتجربتي المريرة مع فيلم الرعب (A Quiet Place)، الذي اضطررتُ لمغادرته قبل منتصف مدته جرّاء صراخ الأطفال المزعج خلال اللحظات المرعبة (يا له من أمر جلل!) – عقدت العزم على أن أنعم بالهدوء والسكينة في قاعات "VIP" أو قاعات كبار الزوار، مهما كلفني ذلك من مبالغ إضافية. وبالفعل، نفذتُ قراري، ولكن سرعان ما اكتشفت أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مستوى القاعة، بل في وعي وثقافة بعض فئات المجتمع تجاه آداب السينما. هل يعقل أن يغطي ضجيج الأحاديث الجانبية والثرثرة والقهقهات العالية على صوت الفيلم نفسه؟ وعندما تجرّأ أحد الحاضرين على التعبير عن استيائه الخفيف بكلمة "هش"، ما كان من إحداهن إلا أن سلطت عليه ضوء هاتفها المحمول في تحدٍ سافر، بل وتعمدت رفع صوتها أكثر!

الصورة أعلاه تجسد واقعاً مؤلماً عايشته بنفسي في إحدى قاعات السينما، وتعكس سلوكيات غير مقبولة تفسد متعة المشاهدة وتقضي على الشغف بالمتابعة. وقد يتبادر إلى الذهن سؤال بديهي: أين هم موظفو السينما من هذا العبث والفوضى؟ والجواب بكل أسف غير معلوم، ولا أود أن أتلقى إجابة صادمة من أحدهم تفيد بأن الأمر خارج عن سيطرتهم أو صلاحياتهم، بحجة أن المشاهد "المتبجح" قد دفع ثمن تذكرته! فهل حقاً يبرر المقابل المادي هذا الاستهتار والعبث؟

لقد قطعنا أشواطاً واسعة منذ افتتاح دور العرض السينمائي في بلادنا، واستقطبنا استثمارات ضخمة من الشركات العالمية الرائدة في هذا المجال. بل إننا أصبحنا من رواد صناعة السينما، وأتقنّا فن صناعة الأفلام والمؤثرات البصرية والسمعية، وأنشأنا أكاديميات ومعاهد متخصصة لصقل المواهب السينمائية والمسرحية. ونسير بخطى ثابتة ومتسارعة نحو القمة في مجال الإنتاج السينمائي والمسرحي، وتشكل إيرادات شباك التذاكر في المملكة استثماراً مربحاً وناجحاً بكل المقاييس. ومع ذلك، فإن ثقافة احترام حقوق الآخرين والالتزام بالسلوكيات اللائقة داخل هذه الدور ما زالت في حاجة ماسة إلى إعادة تقويم وتنظيم ورقابة أكثر صرامة. وأرى أن مراقبة الإزعاج داخل قاعات العرض لا تقل أهمية عن مراقبة التصوير غير القانوني والقرصنة ورمي النفايات، وذلك لضمان حقوق العشرات من الحاضرين داخل القاعة، وذلك عبر توجيه إنذار أو طرد أي شخص مزعج أو مستهتر يسلبهم متعة المشاهدة ويضيع عليهم قيمة ما دفعوه مقابل الاستمتاع بلحظات من الترفيه والاسترخاء والهدوء!

بادرتُ بإجراء استطلاع للرأي على منصة "X" (تويتر سابقاً) لاستكشاف آراء المغردين حول تجاربهم داخل السينما ورصد السلوكيات التي تسبب لهم الإزعاج، وكانت النتيجة الأبرز أن أكثر ما يزعجهم هو الأحاديث الجانبية أثناء العرض وعدم الالتزام بالهدوء. وبناءً عليه، فإن المسؤولية الجماعية تحتم علينا جميعاً تسجيل موقف واضح وبطريقة حضارية عبر صفحات الشركات المشغلة على الإنترنت. فبعد كل فيلم نشاهده في السينما، يجب علينا تدوين مرئياتنا وملاحظاتنا بدقة وموضوعية، وذلك بهدف القضاء على التصرفات السلبية داخل دور العرض السينمائية. والأهم من ذلك، يجب علينا التأكد من ملاءمة الفيلم للأعمار المرافقة قبل حجز التذاكر، فالأطفال لهم عروضهم الخاصة، والكبار لهم عروضهم التي تناسبهم، حتى وإن كان الفيلم مصنفاً عمرياً على أنه مناسب للصغار، فبعض المشاهد المرعبة أو المحتوى الحساس قد لا تكون مناسبة للأطفال على الإطلاق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة